مواجهة التهـــديدات الــداخليــة لأمـــن الطيـــران


التاريخ : 11:48 / 10-05-2019

إن هذا النوع من التهديدات والتي يمكن أن تصدر عن الموظفين والعاملين بالمطارات والمرخص لهم بالدخول إلى المنطقة الأمنية المقيدة (الأشخاص غير الركاب والاشياء التي يحملونها) أصبح يشكل قلقا متصاعدا للدول يقتضي منها وضع تشريعات وآليات من شأنها تعزيز إجراءات وضوابط أمنية تحول دون قيام هذه الفئة من الأشخاص بفعل أو محاولة فعل تدخل غير مشروع أو المساعدة على فعل أو محاولة فعل تدخل غير مشروع.


إن تقييم المخاطر إقتضى من منظمة الإيكاو إعادة النظر في القاعدة القياسية «6.2.4» للملحق السابع عشر لإتفاقية شيكاغو «الامن» والمتعلقة بالكشف الأمني على الأشخاص غير الركاب والأشياء التي يحملونها. حيث تم تعديل هذه القاعدة القياسية في مناسبتين متتاليتين:


- التعديل رقم 12 (دخل حيز التنفيذ 01/07/2011)؛


- التعديل رقم 13 (دخل حيز التنفيذ 15/07/2013).



وفي واقع عالمي وإقليمي متغير وغير مستقر جعل الدول تجد نفسها أمام ضرورة التأقلم مع هذه التحولات عبر وضع الأطر القانونية والتشريعية الملائمة والحرص على تفعيل الإجراءات والتدابير الأمنية ذات الصلة من أجل ضمان سلامة وأمن طيرانها المدني.


كما أن التطور التشريعي في مجال أمن الطيران يهدف إلى التقليل من المخاطر والتهديدات الموجهة ضد الطيران المدني وذلك عبر الكشف والحذر والتصدي لأفعال أو محاولات أفعال تدخل غير مشروع.


وإن أية تعديلات أو مراجعة للتشريعات المتعلقة بأمن الطيران المدني يجب أن تنطلق من تقييم موضوعي وشفاف ومستمر للمخاطر والتهديدات تتولى القيام به السلط المختصة في المجال. علما وأن منظمة الإيكاو أقرت مبدأ المراجعة والتعديل للإجراءات وفق تقييم المخاطر ودلك في الملحق السابع عشر لإتفاقية شيكاغو»الأمن» والذي نصت قاعدته القياسية 3.1.3 على ما يلي:


«يجب على كل دولة متعاقدة أن تنظر بصفة مستمرة في مستوى التهديد الذي يتعرض له الطيران المدني في إقليمها وأن تنشئ وتنفذ السياسات والإجراءات لكي تعدل طبقا لذلك العناصر ذات الصلة في برنامجها الوطني لأمن الطيران المدني، وذلك على أساس تقييم للمخاطر الأمنية تقوم به السلطات الوطنية المعنية»»


هذا، ويمكن للدول إعتبار التدابير السابقة غير مجدية إذا أقرت إجراءات بديلة أكثر صرامة ووسائل عمل ومعدات أكثر تطورا تأخذ في الإعتبار تقييم المخاطر وتطور التهديدات للتصدي لفعل أو محاولات فعل للتدخل غير المشروع يستهدف سلامة وأمن الطيران المدني.


إن التهديد في مفهومه العام يعكس إرادة مقصودة للقيام بأفعال محظورة؛ وبالتالي فإن التهديدات الداخلية تعتبر أفعال إجرامية يقوم بتنفيذها أو يساعد على تنفيذها الأشخاص غير الركاب والمرخص لهم بالدخول إلى المنطقة الأمنية المقيدة. ونقدر أنه من الصعب إفشال مخطط أو فعل تدخل غير مشروع ينفذ أو يساعد على تنفيذه هؤلاء الأشخاص حتى وإن قامت السلطات المختصة بالتحريات الشخصية المسبقة «Background Check».


وتتمثل هذه الصعوبة في عدم وجود طريقة موضوعية للكشف أو التعرف على التصرفات المشبوهة أو الأسباب الكامنة وراء قيام هؤلاء الفئة من الأشخاص بفعل أو محاولة فعل تدخل غير مشروع ضد الطيران المدني. كما أن الصعوبة تكمن في عدم التمكن من التطبيق الفعلي (إعتماد الشفافية والإستمرارية في التنفيذ ودون إستثناءات) للإجراءات والضوابط المتعلقة بمراقبة الدخول إلى المنطقة الأمنية المقيدة بالإضافة إلى تنوع الأشخاص غير الركاب العاملين بهذه المناطق سواء من حيث المستوى التعليمي أو المستوى الإجتماعي أو التوجهات السياسية والفكرية.


وعلى هذا الأساس، فإن سلطات الطيران المدني مدعوة لأن تعتبر هذه الفئة من الأشخاص غير الركاب العاملين بالمنطقة الأمنية المقيدة (موظفو المطار، مصالح الشرطة والجمارك، موظفو شركات الطيران وشركات المناولة..) مصدرا للتهديدات الداخلية الموجهة ضد أمن المطار وسلامة النقل الجوي، وتضع الإجراءات والتدابير الكفيلة للحد من إمكانية قيامهم أو مشاركتهم في القيام بفعل تدخل غير مشروع. حيث يمكن أن يكونوا من منفذي العمليات الإرهابية أو من المتواطئين على تنفيذ هذه العمليات. علما وأن مخططات تنفيذ فعل تدخل غير مشروع يمكن أن تكون مخططات فردية (عمل فردي معزول) أو مخططات جماعية (عمل جماعي).


وتجدر الإشارة، إلى إن إمكانية إختراق نقاط التفتيش والمراقبة للدخول إلى المنطقة الأمنية المقيدة تعود بالأساس إلى جملة من العوامل والأسباب والتي نذكر أهمها:


- وجود علاقة مودة وألفة بين هؤلاء الأشخاص غير الركاب والأعوان المكلفون بتأمين عمليات المراقبة.


- معرفة بعض الأشخاص غير الركاب للحدود الفنية لمعدات التفتيش أو معرفة مسبقة بأعطابها.


- الروتين والذي يجعل من أعوان المراقبة يتراخون في تنفيذ الإجراءات ذات الصلة.


- غياب السلط المختصة (عمليات مراقبة جودة) للوقوف على النقائص سواء على مستوى الإجراءات أو جاهزية المعدات بنقاط مراقبة الدخول إلى المنطقة الأمنية المقيدة.




التهديدات الداخلية: العوامل البشرية


إن التهديدات الإرهابية الموجهة ضد الطيران المدني لا زالت تثير قلق ومخاوف المجتمع الدولي خاصة في ظل ما يشهده العالم من تنامي لمظاهر العنف وإنتشار الحركات المتطرفة المسلحة وقدرتها على الإستقطاب والتجنيد بالإضافة لقدرتها القتالية. و هو ما دفع بالدول وعلى رأسها الإيكاو بالعمل على إستغلال جميع الموارد المتاحة للحيلولة دون وقوع عمل إرهابي أو أفعال تدخل غير مشروع ضد الطيران المدني.


لكن العوامل البشرية تبقى من نقاط ضعف منظومة أمن الطيران ولم تأخذ حظها من الإهتمام والمعالجة وهو ما يتطلب من الدول أن تستثمر في العوامل البشرية مثلما تستثمر في البنية التحتية والمعدات والتجهيزات من اجل تحقيق أعلى معايير أمن الطيران المدني.


ومن هذا المنطلق على الدول على أن تضع اللوائح والتشريعات الضرورية لإختبار وانتداب الموظفين في مجال أمن الطيران بما في ذلك إجراءات التدريب والتكوين والمستمر للعاملين في مجال تنفيذ عمليات أمن الطيران. ويجب التأكيد على أن إجراءات إختبار وإختيار والتوظيف وتدريب موظفي الأمن تكتسي الأهمية البالغة من أجل إنشاء نظام أمن طيران ملائم وفعال. غير أنه لا توجد معايير دولية لإختيار أنسب المرشحين لعمليات أمن الطيران المدني.


كما أن العمل بأساليب إختيار فنية سليمة يضمن تعيين أنسب الموظفين وأكثرهم قدرة في تنفيذ عمليات أمن الطيران المدني. فتعيين أنسب الموظفين ينعكس إيجابا على الأداء أثناء العمل فضلا عن إشاعة الرضا الوظيفي وتقليل معدلات تغيير الموظفين. مع دعوة السلطات المختصة بإجراء التحريات الشخصية الأولية والمتكررة حسب الإقتضاء عن جميع الموظفين المباشرين أو/و المرشحين للعمل في أي وظيفة معنية بتنفيذ تدابير أمن الطيران ولا سيما الكشف الأمني. ودون التقليل من أهمية الإختبارات، فإنه يتعين التأكد من جودتها الفنية وملاءمتها للوظيفة المطلوبة دون إغفال للإعتبارات التشغيلية (الجدوى والتكلفة). ومن الموصى به أن يتم تطبيق الإختبار في مرحلة مبكرة من عملية الإختيار لتتمكن السلطات من معرفة الإستعداد الطبيعي للتدريب والأداء أثناء الوظيفة.


أما بخصوص التدريب، فإنه من المهم التذكير بمضمون البرنامج الوطني للتدريب في مجال أمن الطيران المدني والمتعلق أساسا بتحديد المعايير الوطنية الخاصة بإختبار وتدريب موظفي أمن الطيران المدني مع ضبط المسؤوليات المختلفة التي تضمن تنفيذ أنشطة أمن الطيران المدني. كما حدد البرنامج الوطني للتدريب على أمن الطيران المدني دور ومهام ومسئوليات مختلف الهيآت المشاركة في إتخاذ التدابير الأمنية أو الإشراف عليها وفق ما نص عليه البرنامج الوطني لأمن الطيران المدني. وينقسم التدريب إلى:


- التدريب الاولي: يمكن الحصول على هذا التدريب عند التعيين ويمكن إستكماله بتدريب قائم على الكمبيوتر.


- التدريب المتكرر: يتنزل هذا التدريب في إطار تطوير المهارات والكفاءات لدى الموظفين فهو يرافق التطور المهني للموظف.


كما يجب على سلطات الطيران أن تحدد نطاق التدريب في مجال أمن الطيران المدني ولا سيما نوع التدريب الواجب تقديمه وفئات الموظفين الواجب تدريبهم ومدة كل دورة تدريبية وعدد المتدربين المشاركين في هذه الدورات.


وفي الختام، فإن تفعيل ماجاء بالبرنامج الوطني للتدريب في مجال أمن الطيران، لا يمكن بحال من الاحول أن يمنع السلطات المختصة من إجراء، وبصفة دورية، تقييما للتدريب بطريقة موضوعية وفعالة من أجل تلافي النقائص وتطوير أساليب التدريب بما يتماشى وتطور أساليب تنفيذ إجراءات أمن الطيران المدني للتصدي للتهديدات الناشئة والجديدة من ناحية ويستجيب للضوابط والمقاييس المحددة بملاحق ووثائق الإيكاو من ناحية أخرى.





بقلم: المهندس / عاطف عجيلي



خبير، مستشار في أمن الطيران.



 

مواقع ذات صلة

سلطات/هيئات الطيران المدني

المنشأة العامة للطيران المدني العراقي
وزارة النقل والمواصلات دولة فلسطين
سلطة الطيران المدني الأردني
المديرية العامة للطيران المدني لبنان
المديرية العامة للطيران المدني المغرب
سلطة الطيران المدني السوداني
الوكالة الوطنية للطيران المدني موريتانيا
وزارة الطيران المدني جمهورية مصر العربية
وزارة المواصلات والاتصالات البحرين
الهيئة العامة للطيران المدني الكويت
الهيئة العامة للطيران المدني الإمارات
الهيئة العامة للطيران المدني دولة قطر
الهيئة العامة للطيران المدني سلطنة عمان
الهيئة العامة للطيران المدني بالمملكة العربية السعودية

المنظمات الاقليمية والدولية

المكاتب الاقليمية للإيكاو

مؤسسات الدولية

منظمات العمل العربي المشترك

رواق الصور